في خطوة قد تعيد تشكيل مستقبل الصيد البريطاني، حذر علماء بحريون رفيعو المستوى، اليوم، من أن بريطانيا تواجه كارثة إبادة جماعية لأسماك القد في بحر الشمال، وهو منطقة صيد رئيسية لبريطانيا ودول أوروبية أخرى مثل هولندا والدنمارك، مطالبين بوقف فوري وكامل للصيد لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات.
وجاء هذا التحذير في تقرير مشترك من معهد البيئة البحرية في بيلبي والمركز البريطاني للصيد المستدام، بعد بيانات صادمة تكشف انخفاض أعداد القد بنسبة 70% خلال العقد الماضي، مما يهدد ليس فقط التراث البيئي بل أيضا آلاف الوظائف في المجتمعات الساحلية.
وتعتبر أسماك القد واحدة من أكثر الأنواع التجارية أهمية في بحر الشمال، إذ تشكل نحو 20-30% من إجمالي الصيد البريطاني في المنطقة، بقيمة اقتصادية تصل إلى مليارات الجنيهات الإسترلينية سنويا، وتوفر فرص عمل لأكثر من 12000 صياد في الموانئ البريطانية مثل غريسموث وبيلفاست.
ومع ذلك، تعاني الأنواع من انخفاض حاد في الأعداد بسبب الصيد المفرط، التغير المناخي، والتلوث، مما أدى إلى تصنيفها كـ«مهددة بالانقراض» من قبل الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة منذ عام 2010.
وبدأت الأزمة في السبعينيات مع «حرب القد» بين بريطانيا وآيسلندا، إذ أغلقت آيسلندا مياهها الإقليمية، مما دفع إلى اتفاقيات دولية تحت مظلة منظمة الصيد الأطلسي الشمالي، والاتحاد الأوروبي (قبل بريكست)، وبعد بريكست في 2020، استردت بريطانيا سيطرتها على صيد بحر الشمال، لكن الحصص السنوية (التي حددتها اللجنة الدولية للصيد في بحر الشمال) انخفضت بنسبة 40% منذ 2015، من 32000 طن إلى أقل من 20000 طن في 2024.
وفي عام 2023، أظهرت تقارير انخفاضا بنسبة 60% في أعداد البالغين، مع تحذيرات من «انهيار بيئي» إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية، واليوم، يُقدر أن 70% من الأسماك المصطادة في المنطقة هي صغيرة غير ناضجة، مما يهدد التوازن البيئي للبحر، بما في ذلك تأثير على أنواع أخرى مثل الهادوك والسلطان إبراهيم.
وقال الدكتورة إيما ويليامسون، عالمة الأحياء البحرية الرئيسية في معهد البيئة البحرية في بيلبي، إنه «إذا استمر الصيد بالوتيرة الحالية، ستصبح أسماك القد ذكرى تاريخية بحلول 2030» مضيفة: «لا نتحدث عن خسارة بيئية فحسب، بل عن انهيار اقتصادي: صناعة تُساهم بـ1.2 مليار جنيه إسترليني سنويا، وتوظف عائلات منذ قرون، على وشك الزوال».
وتأتي الدعوة في وقت حساس، مع اقتراب قمة الصيد الدولية في لندن الأسبوع القادم، إذ ستجتمع بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي ودول الشمال لإعادة التفاوض على الحصص بعد بريكست، إذ يقترح التقرير «إغلاقا طوعيا» للمناطق الرئيسية في بحر الشمال، خصوصا المناطق الغنية بالقد، للسماح بتعافي الأعداد إلى مستويات الثمانينيات، عندما كانت الإنتاجية تصل إلى 100000 طن سنويا.