أكد رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني عدمَ صحة الجلسة التي عقدها البرلمان الثلاثاء الماضي والتي شهدت اشتباكات بالأيدي ولكمات بين أعضاء المجلس، وتطايرت خلالها «الأحذية» و«قناني الماء».
وتُشير عدة أسباب يرجح أنها دفعت إلى «عراك النواب» ورفع الجلسة بعد أقل من نصف ساعة في مقدمتها أزمة «قانون الحشد الشعبي» الذي تتسع جبهة معارضيه.
وقد يفتح التصويت على قانون الحشد الذي حذّرت واشنطن من تشريعه أكثر من مرة الباب أمام اتهامات لجماعات مسلحة بالاستحواذ على «مبالغ هائلة» وفق وصف سياسيين نتيجة التلاعب بأملاك وأراض داخل العراق.
مسؤول عراقي كبير أكد لـ«عكاظ» أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تربط مواقفها تجاه العراق بقانون الحشد الشعبي وأنها ما زالت حتى الآن تواصل الضغط لعدم إقرار قانون الحشد، لافتا إلى أن واشنطن قد تلجأ للأسلوب الذي اتبعته مع لبنان عندما منحت بيروت مهلة زمنية محددة لسحب سلاح حزب الله.
وفي تطورات الموقف أظهرت مسودة موازنة الإنفاق العسكري الأمريكية لعام 2026 تحولا لافتا في طبيعة الدعم الأمريكي للعراق مع توقف واشنطن عن تمويل رواتب قوات البيشمركة وتقليص المساعدات الموجهة لوزارة الدفاع العراقية في مقابل مضاعفة تمويل جهاز مكافحة الإرهاب، في خطوة توصف بأنها إعادة تموضع إستراتيجي لمصالح الولايات المتحدة في العراق.
وبحسب موازنة الإنفاق العسكري الأمريكي فإن الإدارة الأمريكية قررت التوقف عن تمويل رواتب البيشمركة، وتحويل هذه المسؤولية إلى الحكومة العراقية بدءاً من العام القادم بعد سنوات من تغطية واشنطن لهذا الملف المالي الحيوي لإقليم كردستان.
وأظهرت المسودة أن المساعدات المخصصة لوزارة الدفاع العراقية ستتراجع بشكل كبير، من 189.1 مليون دولار في موازنة عام 2025 إلى 48.2 مليون دولار فقط في موازنة عام 2026.
في المقابل، حصل جهاز مكافحة الإرهاب العراقي على زيادة لافتة في تمويله، إذ ارتفع الدعم الأمريكي له من 9.3 مليون دولار إلى 63.6 مليون دولار.
وأوضحت الشبكة أن هذا التحول يعكس رؤية أمريكية للجهاز كـ«قوة موازنة» في مواجهة الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران داخل العراق.
وأكد التقرير أن هذا التحول في تمويل المؤسسات الأمنية العراقية يأتي في سياق تغييرات أوسع في السياسة الأمريكية تجاه التوازنات الأمنية في العراق وسورية، إذ لا يزال الدعم مستمراً لقوات «قسد» الكردية في سورية، التي تنظر إليها واشنطن كشريك في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي.
في موازاة هذه التحولات المالية، عبرت الخارجية الأمريكية عن قلقها العميق من المساعي التشريعية في البرلمان العراقي لإقرار قانون جديد لتنظيم هيئة الحشد الشعبي، محذرة من أن هذه الخطوة قد تغيّر طبيعة الشراكة الأمنية الثنائية بين بغداد وواشنطن.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، تامي بروس، إن الولايات المتحدة تعارض بشدة تشريع قانون يعزز من نفوذ جماعات مرتبطة بإيران ومنظمات إرهابية، في إشارة إلى بعض فصائل الحشد الشعبي.
ويأتي هذا التصريح في وقت يشهد المكون الشيعي خلافاً واسعاً بشأن الصيغة النهائية للقانون، ولا سيما في ما يتعلق بهيكلة الحشد وقيادته، وسط معلومات عن تأجيل طرحه للتصويت في البرلمان بسبب عدم التوصل إلى توافق سياسي.
وكان معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قد نشر تقريراً حذر فيه من تمرير هذا القانون، معتبراً أنه يمنح غطاءً قانونياً لفصائل تعمل خارج سلطة الدولة، ويدعو الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات مضادة، تشمل فرض عقوبات على قادة الحشد الذين لهم ارتباطات خارجية، وتجميد بعض أوجه التعاون الأمني مع بغداد.
وسبق أن عبرت السفارة الأمريكية في بغداد عن هذا القلق أيضاً، مؤكدة أن تشريعاً من هذا النوع سيرسخ التدخلات الخارجية ويقوض سيادة العراق.
ووفق بيان رسمي، فقد أبلغ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال اتصال هاتفي أن تمرير مشروع قانون الحشد بصيغته الحالية يمثل تهديداً مباشراً للسيادة العراقية، كونه يمنح شرعية لجماعات مدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية.
في سياق متصل، سلّطت واشنطن الضوء على التصعيد الأخير الذي شهدته مناطق في إقليم كردستان، مع تنفيذ أكثر من 20 هجوما بطائرات مسيرة استهدفت مواقع للطاقة، ما أعاد إلى الواجهة ملف الفصائل المسلحة المدعومة خارجياً ودور الحكومة العراقية في كبح جماحها.
وأشار تقرير أمريكي إلى أن سلطات الإقليم حملت الحشد الشعبي مسؤولية هذه الهجمات، وهو تقييم تؤيده واشنطن، التي طالبت بغداد مراراً بمحاسبة الجناة ومنع تكرار هذه الهجمات، في ظل تزايد الإحباط داخل الكونغرس من استمرار تمويل الحكومة العراقية رغم ما يعتبره مشرّعون أمريكيون تواطؤا ضمنياً مع المليشيات.
وأوضح التقرير أن العراق يمتلك القدرة على لجم هذه الجماعات لكنه يمتنع عن ذلك، في حين تتخذ طهران ووكلاؤها من هذه الفصائل أداة للضغط على واشنطن وحلفائها داخل العراق، خصوصاً في كوردستان، حيث تتمركز القوات الأمريكية ضمن عملية العزم الصلب لمواجهة فلول تنظيم داعش.
وأضاف أن عضو الكونغرس الجمهوري جو ويلسون دعا إلى حظر التمويل عن الحكومة العراقية، متهما إياها باستخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لدعم مليشيات إرهابية تهاجم حلفاء واشنطن.
وأشار إلى أن المليشيات لم تعد قادرة على السيطرة الكاملة، وأن المجتمع الدولي والولايات المتحدة، تنظر إلى هذا الظرف كفرصة لإعادة رسم قواعد الشراكة الأمنية مع العراق، على أساس احترام سيادة الدولة واحتكار السلاح الرسمي.