أخذ خالد المبلغ من محاسب النفقات في الدائرة التي اعتاد أن يتبادل معه كل آخر شهر هكذا أمر ولأن الثقة التي بنت بينهما جسوراً من المتانة جعلته يأخذ المبلغ من دون عدٍّ أو حتى أن يكلّف نفسه عناء التأكد من وجود رقم الصرف وتاريخه، كان ذهنه مشغولاً بتأمين حاجيات العرس الذي سيكون بعد يومين وهو الحلم الذي طالما انتظره، فمن خلاله سيكون قد أتم الزواج من هند ابنة عمه التي أحبها منذ أن كانا طفلين، أخذ المبلغ وهمَّ مسرعاً بالنزول على الدرج الموصل إلى الطابق الأرضي…
وبينما همَّ بالخروج، رنَّ جواله، كان المتصل آمر الصرف الذي بادره بالسؤال: أين أنت؟ وأردف قبل أن يجيب… تعال فوراً إلى مكتبي…
أسئلة كثيرة راحت تدور في ذهن خالد مستغرباً أن يطلبه آمر الصرف وبمثل هذه الطريقة، وأسلوب الأمر الذي لم يعتد عليه من قبل، ليس هذا الاتصال اتصالاً عادياً… قالها في قرارة نفسه، اللهم َّ اجعله خيراً.
وبدأت الحيرة تغلف عليه تبصّر الأمور، حاول أن يستعيد كل ما فعله خلال الأيام القليلة، لم يعثر على أمر يستحق استدعاءه بمثل هذه العجالة، وأمام الشك الذي أراد أن يضع حدّاً له قرر أن يواجه الأمر، عاد مسرعاً كانت خطواته تسبق لهفته لمعرفة الأمر، كانت الدقائق أكثر من ساعات تمرُّ ثقيلةً…
أخيراً وجد نفسه أمام باب آمر الصرف، طرق الباب طرقات خفيفة تنمُّ عن شيء من التردد والريبة…
أدخل جاءه الصوت من الداخل…
بادره بالسلام
– تفضل بالجلوس رد آمر الصرف: يا سيد خالد، كما يقال في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، وأنت تتعامل مع أرقام وأعداد، فلا بدَّ من الانتباه، حكَّ خالد جبينه، وأسند ظهره إلى المقعد، وهو يقول عفواً أستاذ ما الأمر؟
– ردَّ آمر الصرف: يا سيد خالد لقد استلمت المبلغ، ولكنك لم تسلم إشعار استلامك له، وعندما دققت أوراقك لم أجد إشعار الاستلام ما اضطرني لطلبك قبل أن أرفع الأوراق كلها، فلا أرغب أن توجه إليك ملاحظة في إهمال أو سوء تدقيق، وأنت ما تزال في بداية عملك، الأمر الذي سيكون نقطة تسجل عليك، وهو ما لا أتمناه لك… وأنا حريص على أن يكون سجلك الوظيفي خالياً من أية ملاحظات… فأنت موظف محط ثقة عندي، فما أرجوه منك يا سيد خالد توخّي الدقة في عملك.
– ولكني استلمت وسلمت الملف كاملاً بما فيه من إيصالات وإشعارات مستحقات مدفوعة ومسلمة، وأنا دقيق بهذا الأمر، وحضرتك أكثر الناس معرفةً بعملي.
أخرج إليه الملف من درجه والابتسامة تعلو شفتيه أبارك لك زواجك، لقد بدلت أوراق ثبوتيات زواجك بملفنا المالي…
عقد خالد جبينه، وقد تملكته الدهشة، وهو يرى الملف الذي بين يديه ويبصر ملف ثبوتيات الزواج عند آمر الصرف، وهو يقول لعن الله الاستعجال، بادل بين الملفين، وهو ينظر إلى آمر الصرف نظرة… أفصحت من غير تعبير عن خجل هادئ، وهو يصافحه، وقد أخرج بطاقة دعوة زفافه قائلاً: يشرّفني أن تكون حاضراً حفل زواجي يوم الخميس مساءً وفق العنوان.
ردّ آمر الصرف وهو يبتسم: بالرفاه والبنين سيد خالد. ولا تنس أن تدقّق في مصاريف حسابك هذا الشهر.
