
في ظل التحديات الصحية التي يواجهها قطاع غزة، قدم الأردن الدعم والمساعدة للأشقاء الفلسطينيين من المرضى، خاصة مرضى السرطان الذين أصبحوا يتوقون للحصول على رعاية طبية تراعي أبسط حقوق الانسان بتلقي العلاج عند الإصابة بالمرض.
وبعد بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول 2023 ولغاية الآن، استقبلت مؤسسة ومركز الحسين للسرطان 142 مريض سرطان من القطاع معظمهم من الأطفال، بالإضافة إلى 250 من ذويهم كمرافقين بعد أن اضطروا لمغادرة بيوتهم تحت وطأة الحرب باحثين عن الأمان والعلاج.
يأتي ذلك تزامنا مع إعلان جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين عن بدء الأردن باستقبال 2000 طفل من غزة من المرضى والمصابين لاستكمال رحلة علاجهم على نفقة الأردن، وإيمانا بدور الأردن وبتجسيد حقيقي لرسالته في احتضان الإنسان أينما كان.
أطفال مصابون بالسرطان وأهاليهم تحدثوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن حجم المعاناة والألم التي لحقت بهم جراء الحرب، حيث لم يعودوا يجدون أبسط مقومات الرعاية الصحية بسبب نقص الإمكانيات والعلاجات المخصصة لهم.
وثمنوا عاليا جهود الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، الذي أمر بمكرمة ملكية لعلاج أطفال السرطان من غزة، داعين الله أن يديم نعمة الأمن والأمان على الأردن ملكا وحكومة وشعبا، مؤكدين أن الأردن رسم أسمى معاني الكرم والمروءة، حيث كان الحضن الدافئ لمرضى غزة في محنتهم.
تقول والدة الطفلة رهف كسكين “11 عاما” المصابة بسرطان الغدة النخامية بالدماغ وفقدت بصرها نتيجة ضغط الورم على العصب البصري نظرا لموقعه الحساس عند التقاطع البصري، لـ(بترا)، إن تشخيص ابنتها بالسرطان كان بعد بدء الحرب بشهر واحد فقط نتيجة انتكاسة صحية مفاجئة ومتسارعة، ولم يكن هناك صور ملونة ولا تحاليل صحية في مستشفى ناصر بخانيونس، ما جعل علاجها صعبا، حيث كانت المسكنات تسكن ألمها لفترة وجيزة ويعود مرة أخرى.
وأشارت الى أن ابنتها غادرت معها إلى مصر دون وثائق نتيجة نزوحهم المفاجئ بتنسيق بين وزارة الصحة الفلسطينية ومؤسسة سانجود الأميركية لدعم مرضى السرطان من الأطفال، حيث تم إجراء عملية استئصال 40 بالمئة من الورم فقط وأنه تم إعطاء ابنتها جرعتين من الكيماوي في مصر، حيث تم تحويلها بعد ذلك إلى الأردن لاستكمال العلاج بمركز الحسين للسرطان، الذي عملت كوادره على إعادة تشخيص مرض رهف بالكامل، واستكملت بالمركز جرعات الكيماوي و16 جلسة اشعاع للدماغ وحاليا أمورها الصحية مستقرة ولا أثر لوجود الورم بعد تلك الجلسات بعد أن استجابت لها، وتتابع مراجعاتها في المركز وتعطى العلاج اللازم لها من أدوية وفيتامينات وهرمونات.
من جهته، تحدث والد يوسف صبوح “9 أعوام” عن التفاصيل المؤلمة التي عاشها طفله الذي يعاني من سرطان الدم “اللوكيميا” منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، فقد وصل الى الأردن ضمن قوائم المكرمة الملكية وهو يشكو من ارتفاع حاد بدرجات الحرارة، حيث كان يحصل على علاجه الكيماوي عبر جهاز مزروع في صدره، إلا أن الجهاز تعطل نتيجة حدوث التهابات حادة وكانت السبب الرئيس بارتفاع الحرارة.
وأشار الى أن ابنه انقطع عن العلاج لمدة شهرين في غزة قبل وصوله الأردن، لعدم توفر العلاج وتدمير مستشفى الرنتيسي بالكامل جراء القصف الاسرائيلي، قبل أن يخرج به إلى مستشفى 57 في مصر، المستشفى أكد بدوره أن علاج يوسف غير متوافق مع بروتوكول العلاج بغزة، وقال: ” بهذه الفترة جاء السفير الأردني وزارنا في المستشفى وبشرنا بالتنسيق المباشر لخروجنا من مصر إلي الأردن للعلاج في مركز الحسين للسرطان”، مبينا أن زيارة السفير الأردني كانت بارقة الأمل التي نقلت يوسف ووالده وجدته إلى بر الأمان في الأردن.
وقال والد يوسف: “عند وصولنا الى الأردن استقبلنا مركز الحسين للسرطان أفضل استقبال وبعد يومين فقط من وصولنا زارتنا جلالة الملكة رانيا في مركز الحسين واطمأنت علينا جميعا واستفسرت عن حالتنا الصحية والنفسية وعن ما يقدم لنا من عناية وعلاج”.
وأضاف، إن هناك مجموعة من المدارس في الأردن تكفلت في تعليم الأطفال من مرضى السرطان القادمين من غزة، أي أن أطفالهم لم يجدوا فقط العلاج في الأردن بل أيضا هم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي وعلى المستوى الذي يليق بطفولتهم.
وأوضح أن الأردن يقوم بدور كبير ورائع في توفير العلاج للأطفال، وأن هذا ليس غريبا ولا جديدا على بلد النشامى الذين يساندون أشقاءهم ويقفون وقفة مشرفة في جميع الأوقات.
ولفت إلى أن وضع يوسف الصحي تحسن بشكل كبير وأصبح يمارس حياته اليومية بشكل عادي، إلا أنه يحتاج الى رعاية واهتمام بنفس الوقت لأنه يأخذ أدوية وجرعات كيماوي بين فترة وأخرى، وفي بعض الأحيان تكون الجرعات صعبة تسبب له التقيؤ والدوخة والهزلان.
بدورها، أكدت مدير عام مؤسسة الحسين للسرطان نسرين قطامش لـ(بترا)، أن الأردن احتضن مرضى السرطان من قطاع غزة في رحلة علاجهم الإنسانية، بتوجيهات من جلالة الملك وباشراف سمو الأميرة غيداء طلال رئيسة هيئة أمناء مؤسسة الحسين للسرطان.
وقالت إن المؤسسة استحدثت “صندوق غزة” لتمكين المرضى القادمين من القطاع من استكمال رحلة علاجهم بكرامة ولتأمين الدعم الكامل لهم ولعائلاتهم من تغطية علاجية شاملة داخل مركز الحسين للسرطان وإقامة كاملة للمريض ومرافقيه مع ثلاث وجبات يوميا وكوبونات شهرية للمواد الغذائية والملابس، بالإضافة إلى مصروف مالي شهري ومنح دراسية مدرسية وجامعية للمرضى والمرافقين في مؤسسات تعليمية خاصة وتغطية الحالات الطبية الطارئة للمرافقين وتأمين مقدمي رعاية في المركز أوأماكن الإقامة حسب الحاجة بكلفة تجاوزت حتى الآن 7 ملايين دينار أردني.
وأشارت قطامش إلى أن مؤسسة ومركز الحسين للسرطان تواصل تنسيق الجهود مع الجهات المعنية لتسهيل عمليات الإخلاء الطبي لمرضى القطاع وضمان استكمال رحلة علاجهم بأمان وإنسانية ضمن رعاية طبية شاملة وبيئة آمنة.
وأضافت، إن المركز يجري تقييما نفسيا لكل مريض قادم من غزة ومرافقيه فور وصولهم الأردن، حيث يتم تحويلهم للمتابعة مع الأخصائيين النفسيين بسبب ما عانوه من ويلات الحرب والألم الذي يتجرعوه كل لحظة.
يشار الى أن الرعاية الطبية النفسية للمرضى تشمل العلاج المتكامل بما فيه العلاج التلطيفي والعلاج المنزلي في حال الحاجة، كما يتم تأمين مقدمي الرعاية لمرضى غزة بالذات في حال الحاجة لوجودهم مع المريض او المرافقين في الفندق او في المركز بحسب توصيات الأطباء.
–(بترا)
مصدر الخبر: الأردن يحتضن مرضى قطاع غزة في رحلة علاج إنسانية .