يخوض فريق من المرممين، في أروقة دير «بانونهالما» التاريخي، في المجر، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، معركة صامتة ضد عدو صغير لكنه خطير «خنافس الخشب»، الحشرات النهمة، التي تهدد عشرات الآلاف من الكتب النادرة التي تعود إلى قرون مضت، وتمثل كنزاً معرفياً وثقافياً لا يُقدَّر بثمن.
**media[2553540]**
ويعمل فريق المرممين، في سباق مع الزمن، على إنقاذ المخطوطات الأثرية من التلف، في عملية تجمع بين العلم والشغف بحفظ التاريخ، في الدير الذي تأسس عام 996 ميلادية، ويضم مكتبة تحتوي على أكثر من 360 ألف مجلد، بما في ذلك مخطوطات من العصور الوسطى وكتب دينية وعلمية كتبت بخط اليد.
**media[2553541]**
وتواجه المجلدات والمخطوطات النادرة في دير «بانونهالما»، التي كانت في يوم من الأيام مركزاً للفكر الأوروبي، الآن خطر «الخنافس» التي تتغذى على الورق والجلد، مخلفة ثقوباً صغيرة وغباراً يهدد بتدمير الصفحات، حيث اكتشف أمناء المكتبة المشكلة بعد ملاحظة علامات التلف، ما دفع إدارة الدير إلى إطلاق مشروع طارئ لإنقاذ التراث.
ويعمل فريق المرممين، بدعم من خبراء علم الحشرات، على نقل نحو 100 ألف كتاب مجلد يدوياً من رفوفها، ووضعها بعناية داخل صناديق، في بداية عملية تعقيم تهدف إلى مكافحة الخنافس الصغيرة التي حفرت داخلها، ومعالجتها بتقنيات متطورة مثل التجميد عند درجات حرارة منخفضة للقضاء على الخنافس ويرقاتها، إلى جانب التنظيف الجاف والترميم اليدوي، في عملية وصفت بأنها «ليست سهلة»، حيث تتطلب التعامل مع كتب هشة قد تتفتت بمجرد لمسها، إضافة إلى التحديات اللوجستية والتكاليف الباهظة.
ونقلت وسائل إعلام مجرية عن أحد المرممين قوله: «كل كتاب ننقذه هو بمثابة إعادة قطعة من التاريخ إلى الحياة»، معبراً عن الشعور بالمسؤولية والفخر، وذلك في ظل ما يمثله تحدي الرطوبة في المكتبة، التي تُعد بيئة مثالية لتكاثر الخنافس، وتشكل تحدياً إضافياً.
ويعمل فريق المرممين على تحسين ظروف التخزين لمنع عودة الخنافس، بينما يجري ترميم الصفحات التالفة باستخدام مواد تحافظ على أصالة المخطوطات، في مشروع جذب اهتماماً دولياً، حيث يشارك خبراء من مؤسسات أوروبية لتبادل الخبرات في حماية التراث الثقافي.
وحذر مدير مكتبة دير «بانونهالما» التاريخي من الاستخفاف بخطر «الخنافس» قائلاً: «إنها قد تكون صغيرة، لكن تأثيرها كارثي إذا لم نتحرك بسرعة»، واصفاً الجهود التي يقوم بها الفريق بأنها «لا تحمي الكتب فحسب، بل تضع معايير جديدة للحفاظ على التراث في مواجهة التهديدات البيولوجية».