
قال الكاتب والمحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي إن خطة التحديث الاقتصادي التي انطلقت في حزيران من عام 2022 كجزء من رؤية وطنية شاملة، تمثل مشروعاً استراتيجياً بعيد المدى يمتد لعشر سنوات، مقسمة إلى ثلاث مراحل تنفيذية. وأكد أن هذه الخطة ليست برنامجاً حكومياً مؤقتاً، بل هي التزام وطني تبنته الدولة بكافة مؤسساتها، وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي وجّه مراراً بضرورة التنفيذ الفعلي والجاد للرؤية لضمان انعكاسها الإيجابي على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني.
وأشار الدرعاوي خلال استضافته عبر برنامج نبض البلد على قناة رؤيا، إلى أن المرحلة الأولى من تنفيذ خطة التحديث، والتي امتدت بين 2022 و2025، قد وصلت إلى نهايتها، وهو ما يستدعي بدء مرحلة التقييم والمراجعة الشاملة لما تحقق خلال السنوات الثلاث الماضية. واعتبر أن هذه المراجعة ليست ترفاً إدارياً، بل ضرورة ملحة ومكون أساسي من الخطة ذاتها، إذ التزمت الجهات المعنية منذ اليوم الأول بإجراء تقييم دوري لكل مرحلة لضمان تصويب المسار ومواكبة المستجدات وتعديل الأولويات عند الحاجة.
وأوضح الدرعاوي أن عملية التقييم الحالية تتم من خلال ورشات قطاعية واسعة يعقدها الديوان الملكي الهاشمي، بمشاركة ممثلين عن القطاعين العام والخاص، وخبراء مختصين كانوا جزءاً من عملية إعداد الخطة، حيث تمتد هذه الورشات لعشرة أيام وتغطي مختلف القطاعات الاقتصادية، وتهدف إلى تقييم نسب الإنجاز، تحليل أسباب التأخير، وتقديم التغذية الراجعة اللازمة للمرحلة الثانية من الخطة.
وبحسب الدرعاوي، فإن خطة التحديث تضمنت 545 أولوية وبرنامجًا ومشروعًا موزعة على القطاعات الاقتصادية المختلفة، وقد بلغت نسبة الإنجاز الإجمالية في البرنامج التنفيذي حتى اليوم نحو 35.5%، وهو ما يعادل أكثر من ثلث الخطة.
وأشار إلى أن هذا الإنجاز جاء في ظل ظروف اقتصادية محلية وإقليمية معقدة، وهو ما يعكس جدية الحكومة والتزامها بالمتابعة وتنفيذ المشاريع ضمن الأطر الزمنية والتمويلية المحددة.
وبيّن الدرعاوي أن السنوات الثلاث الماضية شهدت تفاوتاً في نسب الإنجاز بين الأعوام المختلفة، حيث بلغت نسبة الإنجاز في العام 2023 نسبة 100% من المخطط له، في حين وصلت في العام 2024 إلى 91%. أما مشاريع العام 2025 فهي ما زالت قيد التنفيذ وسيجري تقييمها بنهاية العام.
كما أشار إلى أن هناك 344 مشروعاً حالياً في طور التنفيذ، فيما بلغت نسبة التأخير أقل من 1% فقط، وهي نسبة ضئيلة تعكس مستوى الالتزام المؤسسي والفني بالخطة.
وحول أسباب التأخير في بعض المشاريع، أوضح الدرعاوي أن الأمر لا يعود إلى تقصير مقصود، بل إلى جملة من التحديات التي تشمل ضعف الكوادر الإدارية في بعض المؤسسات، أو نقص التمويل، أو تغيّر بعض الفرضيات الاقتصادية التي بنيت عليها الخطة.
وشدد على ضرورة فهم طبيعة المشاريع التي تأخرت وتحليل أسباب ذلك بشكل فني وموضوعي، بعيداً عن التسييس أو التهويل الإعلامي.
وفيما يتعلق بمخصصات خطة التحديث الاقتصادي ضمن موازنة الدولة، أكد الدرعاوي أن الحكومة التزمت بتوفير التمويل اللازم، حيث تم رصد نحو 720 مليون دينار ضمن موازنة عام 2025 لتنفيذ مشاريع التحديث الاقتصادي، وهو ما يعكس وجود إرادة حقيقية لدى الدولة لمواصلة تنفيذ الخطة.
وأشار إلى أن هذه المخصصات سيتم مراجعة أثرها المالي والفني خلال الورشات الجارية، لتقييم ما إذا كانت قد استُخدمت بكفاءة، وما هي النتائج المتحققة مقابل ما تم إنفاقه.
وقال الدرعاوي إن الأداء بين القطاعات المختلفة لم يكن متساوياً، حيث نجحت بعض القطاعات في تحقيق نسب إنجاز مرتفعة، خاصة تلك التي تملك بنية مؤسسية متماسكة وخطة تنفيذ واضحة، مثل الصناعات التحويلية، وقطاعات التجارة والخدمات، بينما لا تزال بعض القطاعات الأخرى تواجه تحديات بنيوية أو خارجية تعيق تنفيذ مشاريعها وفق الجدول الزمني.
وأشار إلى أن معظم المشاركين في الورشات، من خبراء وممثلين عن القطاع الخاص، أعربوا عن رضاهم عن ما تم إنجازه، رغم وجود ملاحظات وتحديات تم طرحها بصراحة خلال الجلسات النقاشية.
وقال: “حضرت إحدى الجلسات ووجدت أن النقاش كان صريحاً ونوعياً، بعيداً عن المجاملات، وتم خلاله طرح فرضيات سابقة تم تبنيها عند إعداد الخطة، لكن ثبت لاحقاً أنها غير دقيقة أو لم تعد صالحة للتطبيق في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية”.
وفي تعليقه على ما يُتداول في بعض الأوساط السياسية والإعلامية من أن هذه الورشات قد تكون مقدمة لتعديل وزاري، أكد الدرعاوي أن مراجعة خطة التحديث الاقتصادي لا علاقة مباشرة لها بأي تعديل حكومي، لكنها ستوفر قاعدة بيانات شاملة لرئيس الوزراء يمكن الاستناد إليها في حال قرر إجراء تقييم شامل لأداء وزرائه.
وقال: “أعتقد أن رئيس الوزراء تحدث أكثر من مرة، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن إعطائه فرصة كاملة للفريق الوزاري للعمل وتقديم النتائج، وأنه لن يُقدم على تعديل وزاري دون أساس واضح، ومع انتهاء العام الأول على تشكيل الحكومة، ستشكل نتائج هذه الورشات فرصة حقيقية له لتقييم الأداء بطريقة موضوعية، قائمة على الأرقام والنتائج، لا على العلاقات الشخصية أو الانطباعات العامة”.
ورأى الدرعاوي أن هذا النهج الجديد قد يكون صادماً لبعض الوزراء الذين لم يعتادوا على نمط العمل اليومي المكثف والمتابعة المبكرة، مشيرًا إلى أن بعضهم يعتبره “إزعاجاً”، لكنه في الحقيقة إزعاج إيجابي يدفع نحو الانضباط والإنجاز.
وفي حال قرر رئيس الوزراء إجراء تعديل وزاري، فإن الدرعاوي يتوقع أن يكون تعديلاً كبيراً ومدروساً، يستند إلى تقييمات فنية تستخلص من نتائج خطة التحديث، وليس مجرد تدوير أسماء أو إرضاءات.
وقال: “هذا التعديل، إن حصل، سيكون له بصمة خاصة ويعكس نهجاً جديداً في الإدارة الحكومية، يقوم على الكفاءة والنتائج لا على الصداقات أو الأقدمية”.
وأكد أن المرحلة المقبلة من خطة التحديث الاقتصادي ستكون أكثر صعوبة من سابقتها، لأنها ستتطلب زيادة وتيرة التنفيذ، وجذب استثمارات جديدة، ورفع كفاءة الأجهزة الحكومية، وتحقيق نتائج ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية.
وختم الدرعاوي حديثه بالتأكيد على أن خطة التحديث الاقتصادي ما تزال تمثل فرصة وطنية حقيقية لتحديث الاقتصاد الأردني وتحقيق التحول المنشود، شريطة الالتزام بالتنفيذ، ومراجعة الأداء بشفافية، والتصحيح في الوقت المناسب، مشيرًا إلى أن المؤسسات الرسمية أمام اختبار حقيقي في المرحلة المقبلة، وأن نجاح الخطة سيُقاس بمدى انعكاسها على معدلات التشغيل، ومستوى الدخل، ونوعية الخدمات المقدمة للمواطنين.
مصدر الخبر: الدرعاوي: خطة التحديث الاقتصادي أنجزت أكثر من ثلث أهدافها والمرحلة الثانية تنطلق بتقييم دقيق وشامل .