في قلب الجيزة، يقف المتحف المصري الكبير اليوم كأيقونة تجمع بين عبقرية الفراعنة وذكاء العصر الرقمي، ليصبح في آنٍ واحد أغلى كنز أثري وأكثر متاحف العالم تحصيناً بعد موجة القلق التي أثارتها سرقات كبرى في متاحف عريقة مثل اللوفر.
يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من عصور تمتد لخمسة آلاف عام، بينها المجموعة الكاملة للفرعون الذهبي توت عنخ آمون التي تضم نحو 5 آلاف قطعة جنائزية تُعرض لأول مرة مجتمعة في قاعة واحدة. أما المومياء فتبقى في مقبرتها الأصلية بوادي الملوك حفاظاً عليها، فيما يتصدر القناع الذهبي المشهد داخل المتحف كرمز للخلود والدهشة.
وبفضل ضخامته الفريدة وعدد معروضاته غير المسبوق، يُرجَّح أن يدخل المتحف المصري الكبير قريباً موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية كأكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة. فبحسب الخبير الأثري إسماعيل عبد اللطيف، يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية معروضة، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف ما يعرضه متحف اللوفر في باريس الذي لا يُظهر للجمهور سوى 38 ألف قطعة فقط من أصل 380 ألفاً يمتلكها. ويُتوقع أن يُسجَّل المتحف في الموسوعة خلال الأشهر الأولى من افتتاحه، ليحمل لقباً جديداً يوازي قيمته التاريخية والثقافية كأضخم متحف في التاريخ الإنساني.
لكن بريق الذهب لا يقل سطوعاً عن بريق التكنولوجيا التي تحميه. فبحسب المهندس محمد المغربي استشاري التأمين والذكاء الاصطناعي، «المتحف المصري الكبير ليس مبنىً أثرياً فحسب، بل منظومة رقمية متكاملة تتصرف كما لو كانت كائناً ذكياً»، إذ يعمل وفق فلسفة الحماية متعددة الطبقات (Multi-Layer Protection) التي تجمع بين الذكاء الاصطناعي والتحليل الفوري والإنذار التلقائي.
ويستخدم المتحف نظام التوسيم بترددات الراديو (RFID) لتتبع كل قطعة من لحظة دخولها إلى خروجها، حتى تلك التي بحجم كف اليد، مع تغطية لا تترك أي «نقطة عمياء». كما تُدار شبكة من الكاميرات العصبية تعمل بتقنيات الرؤية الليلية والحرارية لرصد التحركات في ساعات الإغلاق، وتكشف أي اختلاف في المشهد تلقائياً دون تدخل بشري.
ويخضع الزوار والموظفون لإجراءات دخول بيومترية تتضمن بصمة الوجه والعين، فيما تُنشئ الأنظمة ملفاً رقمياً لكل زائر مرتبطاً بمسار حركته داخل القاعات. وتُفحص السيارات عبر أجهزة الأشعة السينية (X-Ray) بدقة مطار دولي، بينما يضمن النظام «زمن استجابة صفري» لأي إنذار أو محاولة اختراق.
بعد حادثة سرقة اللوفر وثغرات أمنية هزّت المتاحف العالمية، يبدو أن مصر اختارت الردّ بطريقتها الخاصة: قلعة رقمية تحرس كنوز الفراعنة وتثبت أن إرث الحضارة يمكن أن يعيش آمناً في زمن الذكاء الاصطناعي، كما عاش آلاف السنين في عمق الرمال.



