في مشهد ثقافي آخذ في التحوّل، برزت تجربة لافتة استطاعت أن تدمج الأدب بالحياة اليومية، وتعيد تشكيل العلاقة بين الكلمة ومتلقيها. فقد شهدت مدن المملكة خلال الأعوام الماضية حضوراً متنامياً لما يشبه الاحتفاء اليومي بالأدب، من خلال لقاءات حية داخل المقاهي، تجمع الكتّاب والقرّاء في حوارات تتجاوز النص، وتلامس الوعي الجمعي والهمّ الثقافي المشترك.
هذا النمط الجديد من التفاعل رسّخ صورة مغايرة لدور الأدب، بوصفه أداة للتقارب والتفاهم بين الثقافات، لا مجرد وسيلة للتسلية أو التلقي. وقد بدأت ملامح هذه التجربة تتبلور منذ 2021، من خلال مبادرات ثقافية متنوعة، كان أبرزها ما يُعرف بـ«الشريك الأدبي»، التي اتخذت من المقاهي منابر تواصل حيّة بين الأدباء والجمهور، وجعلت من القراءة حدثاً مجتمعياً تفاعلياً.
وامتدت هذه التجربة لتشمل ما يزيد على 80 مقهى ثقافياً موزعة على 29 مدينة سعودية، ما جعلها حالة ثقافية ذات طابع وطني وشعبي في آنٍ معاً.
وما يلفت في هذا الحراك الثقافي هو اتساع دوائره، إذ لم تقتصر اللقاءات على تداول النصوص، بل امتدت لتشمل حضوراً إقليمياً ودولياً، يعكس انفتاحاً حقيقياً على الحوار الثقافي العابر للحدود، ويمنح الأدب المحلي نافذة تطل على العالم.
وقد تناولت صحف دولية أثر هذا الحضور التفاعلي في تجديد صورة الأدب، ليس بوصفه نشاطاً نخبوياً، بل فعلاً يومياً يتقاطع فيه الإبداع مع تفاصيل الحياة، ويُصغي فيه الناس لبعضهم، تحت سقف واحد، وبصوت الحكاية.