لم يكن خالد عبدالرحمن، بالنسبة لنا، مجرد مطرب بزغ في حقبة التسعينات؛ بل كان زلزالاً فنياً هادئاً أعاد رسم تضاريس الأغنية السعودية الشعبية حينها، وأعاد ترتيب مفاهيمها من الداخل وتطويرها دون ضجيج.
ظهر لا كامتداد لما قبله، بل كقطعة فنية مكتملة الملامح مع السائد، ونواة لتحول ثقافي داخل الذائقة الجمعية، حين قرر أن يختزل الشعبي والحديث في خلطة واحدة، تفيض شجناً، وتستدعي وجدان الناس قبل آذانهم.
جاء خالد عبدالرحمن، في زمن كانت فيه الأغنية الشعبية ترزح بين الموروث المجدد والتجريب المرتبك، فخلخل المعادلة من الجذور.
لم يكن صوته فقط ما أثار الانتباه حينها، بل إحساسه وطريقته في كتابة الأغنية، اختياراته اللحنية، أسلوبه الغنائي، ووقوفه على المسرح كحالة لا تُقارن.
مزج ما لا يُمزج: الشعبي والرومانسي، الصحراء والمدينة، القصيدة البيضاء والنغمة الملوّنة، الموروث والعاطفة المعاصرة، فصنع شكلاً جديداً من التعبير الغنائي، أطلق شرارته بألبوم «صارحيني»، الذي هزَّ ذائقة السوق وأُعيد تعريف «الشبابي» ليس كمجرد فئة عمرية، بل كتيار فني جارف وشعبي أيضاً.
كان حضور خالد عبدالرحمن كاسحاً، لا بالاستعراض والترويج، بل بالوصول والتماهي مع وجدان المستمعين الشباب آنذاك، وسط صدمة عمالقة الأغنية من هذا الذي يزاحمهم في الأضواء، لكن في جانب تفرد به.
وبينما كانت الأغنية تتكئ على أسماء شعراء وملحنين، انسل خالد، ليكتب ويلحن ويغني، متوارياً خلف اسم «مخاوي الليل»، كأنه يؤسس لتيار لا يبحث عن الأضواء بقدر ما يصنعها.
وهنا بدأ التحول من نجم إلى ظاهرة، ومن صوت إلى خطاب فني له جمهوره، وله منطقه المختلف والخاص.
وإن كان خالد عبدالرحمن قد أحدث نقشاً فنياً جميلاً في جدار الأغنية السعودية، فإنه فعل ذلك من دون أن يخلع عباءة التواضع أو يسقط في فخاخ النجومية الكاذبة. ظل طوال مسيرته كأنه على أطراف الضوء لا في مركزه، لا لأنه لم يكن جديراً به، بل لأنه آمن أن الفن لا يُبرز حين يُستعرض، بل حين يُخلص له.
لم ينزلق إلى صراعات الألقاب، ولم يتكئ على مهاترات الصحافة، بل نأى بنفسه عن ضجيج الساحة، كمن يعرف أن الصوت الأعلى ليس دائماً هو الأصدق.
لقد كان خالد عبدالرحمن، دون ادعاء، أحد أولئك القلائل الذين لم تُفسدهم الشهرة، بل صقلتهم، فصاروا أكثر إنسانية كلما صعدوا.