في مشهد الطهي الأردني الغني بالتنوع، يبرز اسم نيكولاس باستيان دينجيمانز، الهولندي الذي وجد في الأردن ملاذًا خاصًا له ومشروعًا طهيًا يرتكز على مفاهيم الاستدامة والتراث.
ومنذ وصوله إلى المملكة، سعى نيكولاس إلى إعادة اكتشاف المطبخ الأردني الفريد الذي يدمج بين التأثيرات القديمة والحديثة، ويعكس تاريخًا طويلًا من التبادل الثقافي والتجاري بين الشرق والغرب.
ويصف نيكولاس في تصريحات لوكالة الانباء الاردنية (بترا ) المطبخ الأردني بأنه “أحد أكثر المطابخ شمولًا ومعنىً في العالم”، لكنه في الوقت نفسه لا يحظى بالاهتمام الكافي على الصعيد العالمي.
ويؤكد أن الأردن يقع في قلب الهلال الخصيب، مهد الزراعة، حيث يمكن تتبع تاريخ الطهي إلى أكثر من 13,000 عام، حيث تم اكتشاف أقدم رغيف خبز في العالم بالأردن .
ويقول نيكولاس: “لقد منحتني رحلاتي عبر وديان المملكة وجبالها وصحاريها، وتناول الطعام مع القرويين والصيادين في شمال وجنوب المملكة، تقديرًا عميقًا للأرض وثقافتها، لقد عايشت شخصيًا كيف أن المطبخ الأردني يعكس التنوع الغني الذي نشأ من التبادلات الثقافية عبر العصور”.
وفي وقت يشهد فيه العالم تغييرات اقتصادية وسياسية تؤثر على الهوية الثقافية، يرى نيكولاس أن المطبخ الأردني يمكن أن يكون قوة ثقافية فاعلة في تعزيز العمق الثقافي.
ويؤكد أن هناك فرصة حقيقية للأردن للانتقال من المحلية إلى العالمية في فنون الطهي، من خلال إحياء الممارسات الطهو التقليدية المرتبطة بالاستدامة والبيئة.
ويضيف: “في ظل الأحداث المتسارعة في المنطقة، من المهم أن يعزز الأردن مكانته كمنارة للحفاظ على التراث الطهوي، وهذا يشمل أيضًا التأكيد على استهلاك المنتجات المحلية وتعزيز التضامن الاجتماعي والاقتصادي”.
من خلال مبادرته “من المزرعة إلى المائدة في الأردن”، يسعى نيكولاس إلى تسليط الضوء على أهمية الزراعة المحلية وتثقيف الزوار والسكان في الاردن حول الاستدامة في الطهي.
ويقول نيكولاس: “المطبخ الأردني يمثل مزيجًا فريدًا من التاريخ والطبيعة، ولذلك يجب أن نتبنى ممارسات الطهي المستدامة التي تروج للمنتجات المحلية وتدعم المجتمعات الريفية”.
وكان نظم مؤخرًا سلسلة من الفعاليات بالتعاون مع هيئة تنشيط السياحة، شملت جولات طهي في مختلف أنحاء المملكة، حيث التقى المشاركون مع مزارعين محليين وصيادين ونساء من المجتمعات المحلية، ما أتاح لهم فرصة تعلم المزيد عن المكونات المحلية والطرق التقليدية في تحضير الطعام.
وفي إطار تعزيز ثقافة الطهي الأردني على الساحة العالمية، استضاف نيكولاس العديد من طهاة ميشلان البارزين في الأردن، حيث ساهموا في نشر الوعي حول المطبخ الأردني المستدام وأثروا في تجارب الطهي المحلية.
ويُعتبر طهاة ميشلان من بين أبرز الأسماء في عالم الطهي، حيث يُمنحون نجوم ميشلان التي تعد واحدة من أرفع درجات التقدير في هذا المجال. ويستند تقييم دليل ميشلان إلى معايير عالية تشمل جودة الطعام، والحرفية، والابتكار، والتقديم، ويُمنح الطهاة نجومًا على ثلاث مستويات: نجمة واحدة (جيد جدًا)، نجمتان (ممتاز)، وثلاث نجوم (ممتاز بشكل استثنائي). هؤلاء الطهاة يُعتبرون روادًا في مجالاتهم ويعكسون أعلى معايير الجودة والإبداع في فنون الطهي.
وفي إطار الفعاليات المميزة التي تجمع بين الطهي العالمي والتراث الأردني، تبرز مشاركة عدد من أبرز الطهاة العالميين الحائزين على نجمتي ميشلان، مثل إيما بينغتسون من نيويورك، وباس فان كرانين من أمستردام، وسيركو باكر من بالي.
ويؤكد نيكولاس أن هؤلاء الطهاة يُعتبرون من الأفضل على مستوى العالم، حيث وصفت الشيف إيما تجربتها في الأردن بأنها “مدهشة وملهمة”، مشيدة بالتراث الطهوي الغني وبالجودة العالية للمكونات المحلية الأردنية مضيفة أنها شاهدت في هذا اللقاء فرصة لتعزيز التبادل الثقافي والتعاون بين الطهاة الدوليين والأردنيين.
وشارك الشيف إدوين سومانغ من هولندا، والشيف ريكي ساوارد من ألمانيا، الحائزان على نجمة ميشلان ونجمة ميشلان الخضراء، في العديد من الفعاليات الطهويّة التي أُقيمت في الأردن.
وأعرب كلا الطاهيين عن إعجابهما بالمكونات التقليدية التي يُستخدمها المطبخ الأردني، مثل زيت الزيتون والزعتر، مؤكدين أهمية دمج تقنيات الطهي الحديثة مع الوصفات التقليدية لتحقيق توازن مثالي بين الأصالة والتجديد.
وتعد زيارة هؤلاء الطهاة العالميين نقطة تحول في تعريف المطبخ الأردني على الصعيد العالمي، حيث منحتهم الفرصة لاكتشاف المكونات المحلية الفريدة وطريقة تحضير الطعام التي تعكس الهوية الثقافية العميقة للأردن.
كان مهرجان الزيتون الوطني أحد أبرز الفعاليات التي شارك فيها نيكولاس، حيث يعكس أهمية الزيتون كمكون رئيسي في المطبخ الأردني خلال مهرجان الزيتون، الذي يقام في تشرين الثاني سنويًا يتم عرض المنتجات المحلية ويتيح للمزارعين فرصة التفاعل مع المستهلكين والتعريف بمنتجاتهم.
ويعتبر نيكولاس أن مهرجان الزيتون يمثل منصة مثالية لدعم الأعمال التجارية المحلية وتعزيز التراث الطهوي الأردني. ويقول: “المهرجان يوفر فرصة رائعة لإعادة اكتشاف التراث الطهوي ودعم المزارعين المحليين، وفي نفس الوقت يساهم في تثقيف الجمهور حول أهمية الممارسات الزراعية المستدامة”.
ما زالت رحلة نيكولاس إلى الأردن مستمرة، حيث يخطط لإطلاق مبادرات إبداعية قريبًا، مشدداً على أهمية تكثيف الجهود لتسليط الضوء على المطبخ الأردني في المحافل الدولية
وكان نيكولاس شارك في منتدى الأمم المتحدة العالمي للسياحة التاسع حول سياحة فن الطهو الذي عُقد في البحرين في تشرين الثاني 2024، حيث قدم تجربة “من المزرعة إلى المائدة” الأردنية.
ويرى نيكولاس أن الأردن يمتلك المقومات اللازمة لتقديم نفسه كوجهة عالمية للسياحة الطهو المستدام، وهو ما سيسهم في تعزيز القطاع السياحي والاقتصادي في المملكة.
وأضاف: “الطعام ليس مجرد طعام؛ إنه يحمل في طياته قصص الناس والأماكن من خلال إعادة اكتشاف ثقافات الطعام الإقليمية، يمكن للأردن أن يقود ثورة في عالم الطهي ويقدم للعالم طعامًا يعكس التراث الغني والمستقبل المستدام”.
من خلال هذه المبادرات، يسعى نيكولاس إلى ترك بصمة واضحة في المشهد الطهي الأردني وتحقيق رؤية مستقبلية تستند إلى الاستدامة والاحترام للتراث الطهوي المحلي ليصبح من الأطباق الرئيسية عالميًا.
يُذكر أن نيكولاس باستيان دينجيمانز هو مالك شركة الضيافة في الصحة (HIH) ومؤسس مبادرة “من المزرعة إلى المائدة في الأردن”، وهو خبير هولندي في الطهي المستدام. بدأ مسيرته في هولندا حيث تعاون مع طهاة ميشلان ونشر كتبًا حول فن الطهي المستدام.
في 2019، جاء إلى الأردن كمستشار ضيافة، حيث ألهمه التنوع الغذائي المحلي لتطوير مشروع سياحي يركز على المطبخ الأردني ونقله إلى العالمية.
— (بترا)
مصدر الخبر: رحلة خبير هولندي في الطهي للمملكة تحويل المطبخ الأردني لتجربة عالمية .