في خطوة وُصفت بأنها الأعنف منذ بداية طفرة الذكاء الاصطناعي، أعلنت شركة أمازون تسريح نحو 14 ألف موظف من طواقمها الإدارية، في قرار فاجأ الأسواق العالمية وأعاد إشعال النقاش حول مصير الوظائف البشرية في عصر الأتمتة المتسارعة.
تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية أشار إلى أن القرار يمثل تحوّلًا مفصليًا في علاقة الشركات العملاقة بالتقنيات الذكية، إذ لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة بل أصبح عنصرًا فاعلًا يعيد رسم خارطة التوظيف داخل مؤسسات التكنولوجيا الكبرى.
لم يكن التحرك الأخير لأمازون استثناءً. فقد سبقتها شركات أمريكية أخرى بخطوات مشابهة، فشركة التعليم الإلكتروني «تشِغ» خفّضت 45% من قوتها العاملة مبرّرة القرار بـ «الواقع الجديد الذي فرضه الذكاء الاصطناعي»، بينما استغنت شركة البرمجيات «سيلزفورس» عن 4 آلاف موظف، مؤكدة أن «الوكلاء الرقميين» باتوا أكثر كفاءة في أداء المهمات اليومية.
أما شركة النقل والخدمات اللوجستية «يو بي إس»، فأعلنت خفض 48 ألف وظيفة، مشيرة إلى أن خوارزميات التعلم الآلي أصبحت تقوم بمهمات التخطيط والتتبع بكفاءة غير مسبوقة.
جدل التفسير التكنولوجي والدورة الاقتصادية
أكدت المديرة التنفيذية في مختبر الميزانية بجامعة ييل مارتا غِمبل أن «الاعتماد على تصريحات الشركات لتقييم أثر الذكاء الاصطناعي على التوظيف هو خطأ شائع»، موضحة أن «القرارات الحالية تعكس ديناميكيات داخلية أكثر من كونها نتيجة مباشرة للأتمتة».
وتضيف غِمبل أن جزءً كبيرًا من هذه التسريحات ناتج عن تصحيح هيكلي بعد التوسع المفرط في التوظيف خلال جائحة كورونا، حين استفادت شركات التكنولوجيا من انخفاض أسعار الفائدة وضخ السيولة في السوق.
وفي المقابل، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا إنريكو مورِتّي أن أمازون «تقف في مقدمة التحول لأنها في الوقت ذاته من أكبر مستخدمي ومطوري تقنيات الذكاء الاصطناعي»، مؤكدًا أن هذه الشركات «تملك القدرة على أتمتة الوظائف بسرعة تفوق أي قطاع آخر».
أما أستاذ التمويل في معهد «إم آي تي سلون» لورانس شميت، فيعتقد أن ما يحدث هو «إعادة توزيع للوظائف أكثر من كونه اختفاءً لها»، موضحًا أن أمازون «تسعى لأن تصبح أكثر رشاقة تنظيمية عبر إحلال الخوارزميات محل المهمات الروتينية».
بين الأتمتة والبشر.. من الرابح؟
ورغم الجدل الدائر، تشير دراسة صادرة عن بنك الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس إلى ارتباطٍ واضح بين ارتفاع البطالة وانتشار الوظائف المعرضة للأتمتة منذ عام 2022، لكن أبحاثًا موازية للأستاذ مورغان فرانك من جامعة بيتسبرغ تؤكد أن التأثير الفعلي يتركز في الوظائف الإدارية والمكتبية أكثر من المجالات التقنية المتقدمة.
أمازون التي حققت في يوليو الماضي نموًا في المبيعات بنسبة 13% لتصل إلى 167.7 مليار دولار، تصف استراتيجيتها الجديدة بأنها «تحوّل نحو الكفاءة»، لكنها في الواقع فتحت بابًا واسعًا للنقاش حول حدود العلاقة بين الإنسان والآلة، وحول شكل الوظائف في العقد القادم.
ومع تسارع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في كل قطاع، يبدو أن السؤال لم يعد: «هل سيستبدل الذكاء الاصطناعي البشر؟» بل: «كم وظيفة تبقّت للبشر أصلًا؟».



 
		
 
		 
		 
		 
		