فيما وصفت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت اليوم (الثلاثاء) بأنها خاصة أكثر منها رسمية، لحضور حفل توقيع كتابه الجديد، إلا أن الزيارة حملت مؤشرات سياسية واضحة، بدأت من قصر بعبدا حيث التقى الرئيس اللبناني جوزيف عون في أول محطة له.
وفي بعبدا، أكد عراقجي دعم طهران لاستقلال لبنان وسيادته، معتبراً أن الحوار الوطني بين المكونات اللبنانية المدخل الأساس لحل الأزمات. وشدد على استمرار الدعم الإيراني ضمن إطار احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وجدد الرئيس عون تطلع لبنان إلى تطوير العلاقات مع إيران على قاعدة «دولة إلى دولة»، لافتاً إلى أن إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية تشكل أولوية لدى الدولة اللبنانية، بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة.
**media[2535241]**
في محطته الثانية من عين التينة، وبعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، كشف عراقجي أنه أبلغ نظيره اللبناني عبدالله بو حبيب استعداد الشركات الإيرانية للمساهمة في ورشة إعادة الإعمار إذا رغبت الحكومة اللبنانية، مؤكداً دعم بلاده للجهود المبذولة لإخراج إسرائيل من الأراضي اللبنانية.
وتأتي زيارة عراقجي إلى بيروت بعد مراجعة إيرانية عميقة لسياستها الإقليمية، أفضت إلى انتقال تدريجي إلى سياسة «التراجع التكتيكي». ولم تعد طهران ترى مصلحة في الإنجرار إلى حرب إقليمية واسعة تسعى إليها إسرائيل. وعلى ضوء هذا التحول، عادت قنوات التفاوض مع الأمريكيين إلى العمل، وارتفع منسوب البراغماتية في الخطاب السياسي الإيراني.
ورغم أن إيران اختارت النأي بنفسها عسكرياً عن الحرب الإسرائيلية على حزب الله، إلا أن العلاقة بين الطرفين لم تهتز. بل إن طهران تواصل تقديم الدعم للحزب، وتعتبره شريكاً في المعادلة اللبنانية، وعنصراً من عناصر توازن الردع الإقليمي. لكن الجديد هو أن إيران باتت تفكر في الانتقال بعلاقتها بالحزب من الطور العسكري إلى طور سياسي تفاوضي، ينسجم مع التحولات الإقليمية، ومع سياسة أمريكية جديدة لا تسعى إلى إشعال الحروب، بل إلى إنهائها وفق قواعد تفاوضية جديدة.
في خلفية هذا التحول، إدراك إيراني بأن مرحلة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن التي أبقت الملف النووي في المرتبة الثانية أو الثالثة انتهت. أما مع عودة ترمب، فقد تُعاد صياغة الأولويات، بما فيها ملف الاتفاق مع إيران، في ظل واقع إقليمي تغيّر، وشرق أوسط يبحث عن استقرار جديد عبر التفاوض لا عبر وكلاء الحروب.