لم يكن رحيل الأديب السعودي عبدالله بن إدريس، في الـ6 من أكتوبر 2021، فقداً لشاعر فحسب، بل كان فقداً لمرحلةٍ من الكتابة التي بنت جسوراً بين الأصالة والتجريب، وبين التوثيق والبوح.
ترك ابن إدريس، إرثاً لا يُقرأ ماضياً منتهياً، بل حالة فكرية وجمالية متحركة في ذاكرة الأدب السعودي.
الراحل عبدالله بن إدريس، واحد من أبرز الأسماء التي صاغت ملامح الوعي الأدبي السعودي في نصف قرن مضى. كان حضوره مركباً بين الشاعر والناقد والمثقف المؤسسي، فجمع في تجربته بين الكلمة التي تتأمل الذات، والرؤية التي تبني المشهد الثقافي العام.
ولد في حرمة 1929، وعاش انتقال المملكة من البساطة الريفية إلى المدينة الحديثة، فكان شاهداً على تحولات اللغة والوجدان معاً.
تجلّت في شعره ملامحُ الإنسان أكثر من الشاعر، إذ كتب من عمق التجربة لا من زهو الصنعة.
لغته متينة الجذر، متزنة في بنائها، لكنها محمّلة بإيقاع داخلي حزين، يميل إلى التأمل أكثر من التصوير. في ديوانه في زورقي الذي أصدره بعد الخمسين، بدا الشعر ناضجاً كمن مرّ على النار، يكتب عن الحب والغياب والقلق بصوتٍ لا يصرخ، بل يتنفس بحذرٍ وحكمة. كان يرى أن القصيدة امتداد للصدق لا للزخرف، ولذلك ابتعد عن المجاز المفرط، واختار البيان الصافي الذي يوجع بالوضوح لا بالالتواء.
عمله الأهم «شعراء نجد المعاصرون» 1960، مثّل نقلة نوعية في النقد السعودي؛ لأنه قدّم أول مسحٍ شبه علمي للحركة الشعرية في نجد، جمع فيه بين الرؤية التحليلية والتوثيق، مقدّماً خريطة مبكرة لمفهوم «الهوية الشعرية» في المملكة.
فتح الباب لتأريخ المشهد بوعي نقدي متقدّم في زمن كانت الكتابة فيه أقرب إلى الانطباع.
في المناصب التي شغلها، من أمانة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إلى رئاسته نادي الرياض الأدبي، مارس دور المثقف المؤسسي القادر على خلق بيئة ثقافية لا تكتفي بالنشر، بل تصوغ الحركة الفكرية في محيطها.
كان يوازن بين البعد المحافظ والهمّ الإنساني المفتوح، فحافظ على علاقة الأدب بالضمير الاجتماعي، دون أن يجرّه ذلك إلى صدام أو جدل.