
عكست الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة في قضايا تصنيع الصواريخ والتجنيد والتدريب، التزام القضاء الأردني بتحقيق العدالة وحماية أمن المجتمع بحسب مسؤولين ومتخصصين في الشأنين القانوني والأمني.
وكانت محكمة أمن الدولة أصدرت قراراتها اليوم الأربعاء في تلك القضايا بعد نحو 6 شهور من بدء محاكمة المتهمين فيها واستكمال سير الإجراءات القانونية كافة.
وجاءت الأحكام الصادرة بما تتواءم مع حجم الجرائم المرتكبة، إذ تفاوتت الأحكام بالسجن فيها بين 3 سنوات وأربعة شهور إلى 15 سنة.
المعنيون بينوا في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) اليوم أن العقوبات تأتي ضمن نطاق القانون، مع التركيز على ضمانات العدالة، وأن المحكمة راعت في قراراتها كل الظروف المحيطة، بما في ذلك خطورة الأفعال المذكورة في النصوص القانونية، وتأثيرها على المجتمع والنظام العام.
وأشاروا إلى أن المحكمة قد أصدرت قرارات صحيحة وسليمة من الناحية القانونية والأصولية،مؤكدين أن جرائم الإرهاب تُعد من أخطر الجرائم التي تهدد أمن وسلامة واستقرار المجتمع،
ولفتوا إلى أهمية دور الأجهزة الأمنية في التصدي للتهديدات الأمنية، وإبراز نجاحاتها في تعزيز أمن الوطن واستقراره.
وأكد مقرر اللجنة القانونية في مجلس الأعيان العين الدكتور غازي الذنيبات ورئيس اللجنة القانونية سابقا في مجلس النواب أن الأحكام الصادرة اليوم عن محكمة أمن الدولة تُجرم الأشخاص المحكوم عليهم، وتُصدر العقوبات ضمن نطاق القانون، معتبرًا أن هذه العقوبات عادلة قبل أن تكون رادعة، فالقانون بطبيعته قانون لإرهاب الجرائم، وجميعها مغلظة، وبالتالي فإن العقوبات الصادرة اليوم هي عقوبات عادلة، وفي نطاق القانون وفي حدوده”.
وأضاف: “المحكمة لم تحكم على الجميع، فمثلاً هناك متهمون بصناعة طائرات الدرونز، وتم الحكم عليهم بعدم المسؤولية لعدم توفر القصد الخاص، وهو عنصر يجب أن يتوفر في الجريمة الإرهابية، وهو أن يكون الهدف الإضرار بالنظام العام وتعريض أمن المجتمع وسلامته للخطر”.
وأضاف أن المحكمة قررت عدم إدانة هؤلاء الأشخاص بجريمة الإرهاب، حيث لم يثبت بحقهم القصد الخاص، مشيرًا إلى أنهم ربما كانوا يصنعون الدرونز لأسباب نبيلة أو علمية أو دراسية، وليس لتوجيه تهديد للمجتمع.
وتابع: “بقي الأشخاص الآخرون الذين حكمت عليهم المحكمة بعقوبات تتراوح ضمن الحدود القانونية، حيث ميز القاضي بين العقوبات بناءً على طبيعة الجرم وجسيمته وتوفر النية الجرمية أو خطورة الفعل”.
وأشار إلى أن المحكمة حكمت على شخصين بعقوبة 15 سنة ، وعلى آخر بعقوبة 7.5 سنة باعتباره متدخلًا، وليس فاعلاً رئيسيًا، رغم أن قانون الإرهاب يساوي بين المتدخل والفاعل الرئيسي، إلا أن المحكمة ربما كانت لديها أسباب وجيهة لتخفيف العقوبة.
وأكد الذنيبات أن هذه الأحكام تشكل إنجازًا لأجهزتنا الأمنية التي وقفت بالمرصاد لكل هذه المحاولات الإرهابية، مشيرًا إلى أن الحمد لله لم يتم الانتقال إلى مرحلة التنفيذ، حيث كانت العقوبات المتوقعة بالإعدام، وليس بالحبس أو بالأشغال الشاقة.
وأضاف: “طالما أن القانون أعطى للتنفيذ حتى وإن كان قد بدأ بالتصنيع أو الصنع، فإنه طالما لم يدخلوا في أعمال إجرامية تمس المجتمع، مثل تدمير المباني أو التفجيرات أو قتل الأشخاص، فإن النظر يكون في نطاق التجريم الأولي، وهو الحدود الدنيا للتجريم، ولم ننتقل إلى المواد الأشد”.
وشدد على أن هذا الجهد يُسجل لأجهزتنا الأمنية الصابرة التي أوقفت أو حالت دون تنفيذ أي مخططات إجرامية سواء في هذه القضية أو في غيرها من القضايا.
وتطرق الذنيبات إلى مادة أخرى في قانون الإرهاب، وخاصة في جريمة الإرهاب بأنه كل من علم أو سمع أو تناهى إلى علمه بوجود مخطط إرهابي، وجب عليه أن يبلغ النيابة العامة أو السلطات الأمنية بهذا المخطط، خاصة في جريمة الإرهاب تحديدا، مشيرًا إلى أن عقوبة عدم التبليغ تصل إلى ثلاث سنوات، وإذا كان الشخص موظفًا رسميًا، فإن العقوبة تصل إلى ضعف ذلك.
وقال “هذه الجريمة بالذات خطورتها أوجبت على المشرع أن يلزم كل مواطن علم بوجود مخطط من هذا القبيل أن يبلغ السلطات عنه في الحال”.
وأكد المحامي الدكتور محمد العفيف، رئيس محكمة أمن الدولة السابق، أن جرائم الإرهاب تُعد من أخطر الجرائم التي تهدد أمن وسلامة واستقرار المجتمع، سواء في الأردن أو في أي دولة أخرى.
وأشار إلى أن المشرع الأردني، انسجاماً مع التشريعات الدولية واتفاقيات مكافحة الإرهاب، قد وضع عقوبات رادعة تتناسب مع خطورة هذه الجرائم وطبيعة الفاعلين فيها.
وأوضح العفيف أن جرائم الإرهاب تطورت بشكل كبير بسبب تقدم الفكر الإرهابي ووسائل تنفيذ الجرائم، مما يستوجب وجود عقوبات صارمة لكل من يثبت تورطه فيها.
وأضاف أن المحكمة تقيم خطورة الفعل الإرهابي بناءً على معايير محددة، حيث أن بعض الأفعال قد لا تُعتبر إرهابية بدرجة عالية، في حين أن أفعالاً أخرى تُصنف كجرائم إرهابية خطيرة، مما يستوجب فرض عقوبات أشد.
وتحدث العفيف عن القضايا التي نظرتها محكمة أمن الدولة اخيرا مشيراً إلى أنه كقاضٍ سابق ومحامٍ متخصص في جرائم الإرهاب، يرى أن الأحكام الصادرة كانت عادلة، وراعت ظروف المتهمين وطبيعة القضايا.
وأكد أن المحكمة قد أصدرت أحكاماً تتناسب مع خطورة الأفعال المرتكبة مشيدا بجهود المحكمة في تطبيق القانون بعدالة، مع مراعاة ظروف المتهمين، مؤكداً أن الهدف من العقوبة هو تحقيق الردع العام والخاص، وإعادة إدماج الشخص في المجتمع كفرد صالح.
وأكد أن المحكمة قد أبدعت في تحقيق العدالة وراعت كل الظروف المحيطة بهذه الجرائم.
وأشار العفيف إلى أن المحكمة قد راعت في قراراتها كل الظروف المحيطة، بما في ذلك خطورة الأفعال المذكورة في النصوص القانونية، وتأثيرها على المجتمع والنظام العام مؤكدا أن المحكمة قد أصدرت قرارات صحيحة وسليمة من الناحية القانونية والأصولية.
ولفت العفيف إلى أن الهدف الأساسي من المحاكمة والعقوبة هو إصلاح الأفراد وإعادتهم إلى الصواب، وتحويلهم إلى أشخاص فاعلين في المجتمع، وإعادة إدماجهم بشكل إيجابي.
وأشار إلى أن هذا النهج يهدف إلى تحقيق الردع العام والخاص، حيث يعتبر الردع الخاص متعلقًا بالشخص نفسه بينما الردع العام يتعلق بأفراد المجتمع الذين يلتزمون بالضوابط القانونية عند مشاهدة تطبيق العقوبات على الآخرين.
وأضاف العفيف أن المحكمة أظهرت دقة في تحديد العقوبات وفقًا لخطورة الجرائم، حيث تم فرض عقوبات تتراوح بين 15 سنة للجرائم الأكثر خطورة، و7.5 سنوات للجرائم الأقل خطورة، وصولًا إلى 3 سنوات و4 أشهر للجرائم الأقل خطرًا.
وأشار إلى أن المحكمة أخذت في الاعتبار حالات العدول الاختياري عن الجريمة وفقًا للمادة 69 من قانون العقوبات، حيث يتم إعفاء الشخص من المسؤولية إذا عدل عن ارتكاب الفعل الجرمي بشكل طوعي دون تأثير خارجي.
وأوضح العفيف أن قرارات المحكمة كانت سليمة ومعللة بشكل تفصيلي مما يعزز تحقيق العدالة ورضا جميع الأطراف.
وأشار إلى الفرق القانوني بين “عدم المسؤولية” و”البراءة”، موضحًا أن البراءة تعني عدم وجود الدليل القانوني أو عدم وجود أدلة قانونية كافية لإثبات التهمة، بينما عدم المسؤولية تعني أن الفعل المرتكب لا يشكل جريمة أو لا يستوجب عقوبة وفقًا للتشريع.
وأكد أن هذه التفرقة القانونية تعكس دقة القضاء في تطبيق العدالة، حيث يتم تحديد المسؤولية بناءً على الأدلة وطبيعة الأفعال، مما يعزز الثقة في النظام القضائي.
المحامي واللواء المتقاعد صبحي المواس، قال: أصدرت محكمة أمن الدولة اليوم أحكامها في أربع قضايا تتعلق بالإرهاب والإخلال بالسلامة العامة وأمن المجتمع، وقد أظهرت الأحكام توازنًا كبيرًا من جانب المحكمة، حيث تم اتباع الإجراءات القانونية السليمة في تكوين القناعة الوجدانية لدى القضاة.
وأكد المواس أن أمن الوطن وسلامة المجتمع يعدان ركيزتين أساسيتين للدولة، وأن محكمة أمن الدولة تتحمل مسؤولية حقيقية في معالجة الجرائم التي تهدد أمن المجتمع وسلامته.
وفي القضية الأولى المتعلقة بتصنيع الصواريخ، أدانت المحكمة أفعال المتهمين بناءً على أدلة قانونية قوية، شملت اعترافاتهم الطوعية الصادرة عنهم والتي أدلوا بها، وكذلك في المواد والمعدات التي استخدمت لهذه الغاية، والتي تم ضبطها في مواقع متعددة.
أما فيما يخص قضية طائرات الدرونز، فقد أصدرت المحكمة قرارًا جاء موافقا للقانون بعدم مسؤولية هؤلاء الأشخاص؛ بسبب عدم توفر القصد الخاص، أي النية المبيتة لارتكاب أعمال تمس أمن المجتمع والأموال العامة، فانتفاء هذا القصد الخاص أعطى للمحكمة باستعمال صلاحياتها بعدم مسؤولية هؤلاء الأشخاص بشكل يتوافق مع مبادئ العدالة.
وأشار المواس إلى أن محكمة أمن الدولة، بعد إصدارها للأحكام، تكون قد أنهت النظر في هذه القضايا، مع السماح للمتهمين المحكومين وللنيابة العامة برفع القضية لتمييز الأحكام أمام محكمة التمييز، وهي ضمانة أساسية للعدالة والتي نص عليها قانون محكمة أمن الدولة في تعديله الأخير.
وأضاف أن محكمة أمن الدولة، التي تشكلت بموجب قانون خاص، وتضم قضاة عسكريين ومدنيين، يشتركون في إجراءات المحاكمة أمامها، إذ كانت الأحكام متوازنة جدا ومتوافقة للقانون وللأصول الجزائية التي استخدمتها المحكمة ضمن إجراءات المحاكمة علنية وعادلة.
وقال السياسي والخبير القانوني المحامي محمود الدقور:”أؤكد أن الأحكام التي صدرت اليوم عن محكمة أمن الدولة تمثل عنوان الحقيقة كما هو في المفهوم القانوني، فالأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة، أو عن المحاكم بشكل عام، تُعتبر عنواناً للحقيقة، وهي ليست أحكاماً قطعية، بل تخضع لمرحلة التمييز التي يمارسها النائب العام أو المدعي العام لدى محكمة أمن الدولة، كما يحق للمتهمين الطعن فيها.
وأشار إلى أن الأحكام الصادرة اليوم الأربعاء كانت متدرجة ومتفاوتة، حيث راعت كل جريمة على حدة، وحددت العقوبة المناسبة لكل متهم وفقاً لما ثبت أمام المحكمة.
وفيما يتعلق بقضية طائرات الدرونز، بين أن المحكمة قضت بعدم مسؤولية الأشخاص، وذلك لعدم توافر القصد الجنائي المتمثل في نية ارتكاب الجريمة، كما عرّفها القانون. بمعنى آخر، لم تثبت للمحكمة أن لدى الأشخاص نية أو قصد لجريمة تصنيع طائرات درونز ، من أجل استخدامها بشكل غير مشروع في الأردن.
أما بقية الأحكام الأخرى، فأوضح الدقور أنها صدرت متفاوتة بناءً على ما ثبت للمحكمة من بينات من أهمها اعتراف هؤلاء الأشخاص بما نُسب إليهم من أفعال، ومن خلال ما ظهر للمحكمة من بينات تقدم بها النيابة العامة.
وقال ” من وجهة نظري، هذه الأحكام عادلة وهي ستذهب لمرحلة التمييز. وأعتبرها أحكاماً عادلة لأن الأفعال التي قام بها هؤلاء الأشخاص تُعد مخالفة للقانون ومجرمة، بناء على اعترافاتهم، ولا تصب في مصلحة القضية الفلسطينية، ولا في دعم الأشقاء .
وقال ” إذا أردنا دعم الشعب الفلسطيني، فعلينا أن نفعل ذلك من خلال القنوات القانونية والدبلوماسية، والمساعدات التي يقدمها الأردن باستمرار، وهو واجبنا كأردنيين.
ولفت الدقور في ذات السياق إلى أن تصنيع السلاح فهو عمل غير قانوني يعرض أمن المجتمع للخطر، ويضع السلاح في أيدي غير أيدي الدولة، مما يزيد من خطورة الوضع.
واستكمل حديثه قائلا:”أرى أن قرارات محكمة أمن الدولة جاءت وانصبت في الاتجاه الصحيح، وهذه الأحكام تمثل عنواناً للحقيقة. وأتمنى أن تمنع هذه الأحكام الآخرين من الانخراط في أي سلوك مماثل يهدد أمن وسلامة المجتمع الأردني”.
–(بترا)
مصدر الخبر: قانونيون: أحكام أمن الدولة جاءت متوائمة مع حجم الجرائم المرتكبة وتعالج مخالفات التشريعات الأردنية .