لم يكن خروج الموفدة الأمريكية مورغان أورتاغوس من الاجتماع مع قائد الجيش اللبناني رودولف هيكل سوى تفصيل صغير في مشهد أكبر، تتسارع فيه الخطوات نحو لحظة الحقيقة: فإما أن يسير لبنان في اتجاه استعادة الدولة، أو أن يبقى معلّقاً على فوهة البركان الخارجي.
لقد بدا واضحاً من السجال الذي اندلع بعد زيارة أورتاغوس أن المسألة لم تعد محصورة بسلاح «حزب الله» كرمزية وطنية أو توازن ردع، فالسلاح اليوم بات مفترق طرق بين مشروعين: مشروع دولة تحصر قرار الحرب والسلم بيدها، ومشروع آخر له أجندة إقليمية.
لم يتأخر حزب الله في الرد على تصاعد الأصوات المطالبة بوضع سلاحه على طاولة النقاش، رامياً الكرة في ملعب الدولة، أي أن التصدي للاعتداءات الإسرائيلية ليس مهمة الحزب بل مسؤولية الحكومة أولاً، داعياً إلى نقاش وطني قائم على استراتيجية دفاعية لا تمليها الضغوط الخارجية.
في الجهة المقابلة، ترى قوى معارضة أن الحزب يستخدم الخطاب الدفاعي كغطاء لتأجيل الاستحقاق الحقيقي: تسليم السلاح. وتتهمه بالمناورة، تارة عبر التمسك بتفسير ضيق للقرار 1701، وتارة أخرى برفع شعار الانسحاب الإسرائيلي الكامل. بالنسبة لهؤلاء، تأجيل النقاش لا ينبع من حسابات لبنانية، بل هو جزء من لعبة النفوذ الإقليمي.
ضمن هذا المناخ، تبرز عدة سيناريوهات لتعامل المجتمع الدولي مع سلاح الحزب: الأول: قيام حوار لبناني – لبناني يُفضي إلى اتفاق على خطة زمنية للتسليم. والثاني: يتمثل في ضغوط أمريكية مباشرة تنقلها أورتاغوس، مدعومة بمهلة محددة قبل قطع المساعدات. والثالث: خيار عسكري مفتوح يبدأ من البقاع، تعطي فيه واشنطن الضوء الأخضر لتدخل إسرائيلي واسع في حال فشل الحوار، وهو سيناريو محفوف بالمخاطر.
الواضح أن هذا الملف أبعد من كونه مطلباً دولياً أو خياراً محلياً. هو اليوم على طاولة الإقليم، بين طهران وواشنطن، وبين خطوط النار في الجنوب والحدود الشرقية. وفي هذه الأثناء، الدولة اللبنانية تنتظر، الاقتصاد ينتظر، والمجتمع الدولي يرفع إصبعه ملوّحاً بورقة الدعم المشروط.
وهكذا، يبقى لبنان بين كلمتين: حوار أو انفجار. وبينهما الوقت لا يعمل لصالح أحد.