
في واحدة من أشدّ الأزمات الإنسانية تعقيدًا في العصر الحديث، يجد أكثر من مليوني فلسطيني أنفسهم محاصرين في شريط ضيق لا يتجاوز 15% من مساحة قطاع غزة، وسط دمار هائل طال البنى التحتية والسكان، وتدهور غير مسبوق في الأوضاع المعيشية والصحية.
وبينما تستمر قوات الاحتلال بعدوانها الدموي منذ أكتوبر 2023، تُظهر المعطيات أن النسبة الأكبر من القطاع — نحو 85% — أصبحت مناطق مغلقة إما بفعل السيطرة العسكرية أو من خلال أوامر تهجير قسري، ما أدى إلى تصاعد التحذيرات من كارثة إنسانية ذات أبعاد قانونية وأخلاقية خطيرة.
أرقام تنذر بالأسوأ
يشير تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى أن الفلسطينيين في غزة “أُجبروا على العيش في منطقة لا تتجاوز 15% من مساحة القطاع”، في ظروف بالغة القسوة، وداخل بيئة مكتظة لم تُسجل في أي منطقة مأهولة على وجه الأرض.
وأضاف المرصد أن إسرائيل حولت الغالبية العظمى من القطاع إلى مناطق مغلقة، إمّا بالقوة أو عبر فرض التهجير الجماعي، واعتبر أن “المناطق التي يُطرد إليها النازحون بزعم أنها آمنة تعد أفخاخ موت جديدة”، في إشارة إلى تكرار استهداف هذه المناطق بعد إعلانها آمنة.
دمار شامل للمنازل والمرافق الحيوية
منذ بدء الحرب، وثقت المؤسسات المحلية والدولية تدمير أكثر من 92% من منازل القطاع، في حين تعرضت أكثر من 80% من المدارس لأضرار جسيمة أو دُمرت كليًا، وأصبحت 90% من المستشفيات غير قادرة على العمل.
كما تم تدمير الجامعات، ومسحت مدن وأحياء كاملة عن الخارطة، أبرزها خزاعة وخانيونس ورفح ومناطق شاسعة من مدينة غزة.
شهادات من قلب الكارثة
تقول أم يوسف (42 عامًا)، وهي نازحة من حي الشجاعية إلى منطقة المواصي: “نحن 17 شخصًا نعيش في خيمة واحدة. لا ماء، لا دواء، لا خصوصية. كل شيء انتهى، حتى الإحساس بالأمان. يقولون لنا انتقلوا لمناطق آمنة، فنذهب إليها، ثم تُقصف”.
أما الدكتور رزق أبو شعيرة، جرّاح في مستشفى ميداني، فيؤكد أن الوضع الصحي “كارثي بكل المقاييس”، مضيفًا: “نعمل بلا تخدير في بعض الأحيان، ونستخدم ضوء الهاتف أثناء العمليات. لا توجد أدوية، لا أكياس دم، لا مواد معقّمة. نحن نُشاهد الناس تموت أمامنا ونقف عاجزين”.
من جهته، يقول المحامي الدولي يوسف محيسن، المتخصص في القانون الدولي الإنساني: “ما يجري في غزة يرتقي إلى جريمة إبادة جماعية بطيئة، تقوم على التهجير القسري والتدمير المتعمد للمنازل والبنى التحتية. كل المؤشرات تدل على محاولة إحداث تغيير ديمغرافي ممنهج”.
سياسة تهجير ممنهجة وتغيير ديمغرافي
يرى مراقبون أن ما يجري في غزة لم يعد مجرد عمليات عسكرية، بل يندرج ضمن سياسة أوسع تهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي جذري.
ويحذر المرصد الأورومتوسطي في تقريره من أن “التهجير القسري للفلسطينيين يهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي شامل”، في مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
هل بقيت غزة صالحة للحياة
المنظمات الإنسانية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ووكالاتها، أكدت مرارًا أن غزة أصبحت “غير صالحة للعيش”، بعدما تسببت الحرب في شلل كامل لشبكات المياه والكهرباء، وانهيار النظام الصحي، وغياب الأمن الغذائي، مع تفشي الأوبئة والأمراض نتيجة الاكتظاظ ونقص الرعاية.
رغم خطورة المشهد، لم تنجح بعد أي مساعٍ دولية في فرض وقف لإطلاق النار، وسط عجز واضح عن إلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي. وبينما تزداد التحذيرات من “تطهير ديمغرافي صامت”، تبقى أعين الفلسطينيين معلقة بأمل ضئيل بأن تتحرك المؤسسات الدولية قبل فوات الأوان.
مصدر الخبر: منطقة إبادة كبرى .. 2.3 مليون فلسطيني يتكدسون في 15% من غزة المنكوبة .