الإنسان لا يعيش في فراغ، فاضطراب واحد في سلوكه قد يمتد أثره ليصيب أسرته وزملاءه وحتى محيط عمله. ويؤكد خبراء علم النفس أن المريض النفسي لا يذهب غالبًا وحده إلى العيادة، بل يجرّ وراءه ضحايا من أفراد أسرته أو بيئته القريبة.
التنشئة والمرض النفسي
يشير د. علاء كفافي في كتابه التنشئة الوالدية والأمراض النفسية إلى أن أسلوب التربية يلعب الدور الأكبر في تشكيل شخصية الطفل، بينما يبقى العامل الوراثي ثانويًا. فالأب القاسي، مثلًا، قد يربي ابنًا خاضعًا جبانًا يخفي نقمته حتى يتمرد لاحقًا على القانون والسلطة، أو ابنًا عدوانيًا يعيد إنتاج عنف والده ضد المجتمع.
النرجسية: عدوى نفسية مدمرة
الشخصية النرجسية تُمثل تهديدًا مباشرًا للمحيطين بها، سواء في البيت أو العمل أو قاعة الدرس. المدير النرجسي يحوّل بيئة العمل إلى ساحة خوف وتملق، والوالد النرجسي يسحق أبناءه معنويًا، فينشأون بجرح داخلي عميق.
الوسواس والشك
من أكثر الاضطرابات إرهاقًا للعائلة. فوسواس النظافة أو الشك المرضي يفرض على المحيطين بالمريض حياة خانقة مليئة بالاتهامات والرقابة المستمرة، وقد يُنظر إليه خطأً على أنه «دقيق» أو «حريص»، بينما الحقيقة أنه يزرع بيئة مريضة.
ثنائي القطب: تأرجح مدمر
بين نوبات هوس تدفع صاحبها لمشاريع خيالية مرهقة ونوبات اكتئاب تشل قدرته على العمل، يعيش المريض ومن حوله في دوامة من التناقضات. الأسرة والموظفون على حد سواء يتأرجحون مع تقلباته القاسية.
الأمل في التثقيف والكشف المبكر
الاضطراب النفسي ليس وصمة عار، لكنه يحتاج إلى اعتراف ودعم أسري ومجتمعي. الخبراء يشددون على ضرورة إدخال الفحوص النفسية في المؤسسات الحساسة، والمقبلون على الزواج، وحتى في مجال العمل العام، لتجنب كوارث المضطربين نفسيًا.
وختاما، يمكن القول إن الصحة النفسية مسؤولية جماعية، وما لم نرَها بهذا الشكل، فسندفع جميعًا ثمن تجاهلها.