في قرية الأطاولة الوادعة بمحافظة القرى في منطقة الباحة، وقف ناصر الفيان على أطلال الذاكرة وجمع منها ما تفرق في البيوت والأسواق والوديان ليصنع منه متحفا لا يشبه سواه، متحف ولد من قلب رجل أحب تراثه فاحتفظ به قطعة قطعة حتى غدت تلك القطع المتناثرة صورة كاملة لذاكرة جيل.
بدأ الفيان رحلته عام ١٤١٤ وهو يتنقل بين القرى يجمع ما تبقى من أثر الناس، من صحون ومصابيح وأبواب وسيوف ومخطوطات، وكلما التقط قطعة شعر أنه ينقذ حكاية من النسيان. لم تكن الهواية وحدها هي الدافع، بل كان يرى في ذلك وفاء لتاريخ أهله وحفظا لملامح عاشها ولم يشأ لها أن تضيع، وحين ضاق منزله بما جمع قرر أن يبني للماضي بيتا فشيّد عام ١٤٣٨ مبنى حجريا على الطراز الجنوبي بجدران عرضها متر، وأسقف من خشب العرعر والعتم وأبواب مصنوعة من المصاريع والزفر القديم، أراد أن لا يكون المتحف قاعة عرض باردة بل بيتا نابضا بروح الزمان. وتتوزع داخل المتحف ثلاثة أقسام رئيسية المعزب الذي يمثل المجلس التقليدي بكل ملامحه، والمجها التي خصصت للضيافة وأدوات الإنارة وصحاف الطعام والوثائق القديمة، والشقيق وهو القسم الأكبر ويحتوي على المخطوطات والعملات والأسلحة والأدوات الزراعية وحلي النساء وملابسهن وأدوات المطبخ. وفي الدور العلوي الرعش كما يسميه. تطل نوافذ المتحف على قرى المحافظة وفيه كوفي هادئ وضعت فيه قطع نادرة جدا منها شاهد قبر حجري يعود لأكثر من ألف سنة ومصاحف عمرها قرون وسيوف وبنادق وسكاكين وحجج قديمة تمثل مراحل من التاريخ الجنوبي. أما الساحات الخارجية فتمثل محاكاة حية للبيئة القديمة من بئر ورعلان ومدريها ومسدح وفي إحدى الزوايا كوخ ثقافي بُني لاستقبال الضيوف واحتوى على صور ووثائق ومقتنيات كانت شاهدة على التحولات الاجتماعية في المنطقة. يقول ناصر الفيان لم أجمع التراث لاحتفظ به بل لأعرضه ليعيش من يراه التفاصيل كما كانت لا كما تُروى، كل قطعة هنا تحكي وجها من وجوه الزمن الجميل. اليوم لم يعد متحف ناصر الفيان مجرد مكان لعرض القديم بل أصبح مزارا للباحثين عن الحقيقة ومقصدا لمحبي الأصالة وسجلا مفتوحا كتبه صاحبه بيده وبعينيه وبذاكرته التي لم تخنه يوما.