لم يترك حزب الله مجالاً للالتباس في موقفه من قرار الحكومة اللبنانية الهادف إلى وضع خطة لتطبيق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة.
البيان الصادر عن الحزب، اليوم (الأربعاء)، عقب جلسة مجلس الوزراء، أمس (الثلاثاء)، جاء بلغة صارمة، وصف فيها القرار بأنه «خطيئة كبرى»، وأنه سيتعامل معه على أنه غير موجود. واعتبر حزب الله أن القرار «يجرد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي»، ويؤدي إلى «إضعاف قدرة لبنان وموقفه» في مواجهة ما وصفه بـ «العدوان الإسرائيلي – الأمريكي».
هذا الموقف لا يبدو محصوراً فقط برفض القرار، بل يحمل في طياته مؤشرات على تحول سياسي قد تكون له تبعات أمنية. فحين يقول الحزب إن القرار «يحقق لإسرائيل ما لم تحققه في عدوانها على لبنان»، ويتحدث عن «ضرب مقومات السيادة»، فهو لا يكتفي بالتحفظ، بل يعلن صراحة أن ما أُقرّ في مجلس الوزراء غير مقبول، لا من الناحية الوطنية ولا الميثاقية، وهو ما عبر عنه أيضاً في العبارة الآتية: «هذا القرار فيه مخالفة ميثاقية واضحة، ومخالفة للبيان الوزاري للحكومة».
المفارقة أن حزب الله يستشهد بالبيان الوزاري نفسه لتبرير موقفه، إذ يعتبر أن سلاحه يندرج ضمن «الإجراءات اللازمة لتحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي»، كما ورد حرفياً في الفقرة الخامسة. وبذلك، لا يرى الحزب في سلاحه خروجاً عن شرعية الدولة، بل يعتبره جزءاً من هذه الشرعية.
لكن هذا يثير إشكالية جوهرية: إذا كان الحزب يعترف بشرعية البيان الوزاري، فلماذا يرفض ما أقرته الحكومة نفسها تحت سقف هذا البيان؟ وكيف يمكن استخدام النص نفسه لتثبيت موقع خارج منطق الدولة، ثم الاعتراض على قرار صدر عن مؤسساتها الدستورية؟
بهذا المعنى، يبدو أن الحزب لا يتمسك بالبيان الوزاري إلا حين يخدم موقعه، ويتجاوزه عندما يعيد طرح مفهوم «الشرعية» على قاعدة انتقائية.
لكن الأبعد من هذا الموقف، هو ما يمكن اعتباره نُذُر مواجهة سياسية مفتوحة، وربما ما هو أبعد من ذلك. فاتهام الحكومة بتنفيذ «إملاءات المبعوث الأمريكي توم براك»، والقول إن القرار «يحقق مصلحة إسرائيل بالكامل ويجعل لبنان مكشوفاً أمام العدو»، يرتقي بالبيان من موقع التعليق إلى موقع الاستنفار السياسي.
وهنا تطرح أسئلة أساسية:
هل بيان حزب الله هو بمثابة إعلان رفض رسمي لقرار مجلس الوزراء؟وهل يمهد هذا الرفض لمرحلة من التصعيد، خصوصاً في ظل حديث الحزب عن إسقاط التزام رئيس الجمهورية بمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، واعتباره ما جرى «جزءاً من استراتيجية الاستسلام»؟.
هذا البيان يؤكد بأن حزب الله يتعامل مع القرار الحكومي على أنه خطر وجودي على موقعه ووظيفته، لا مجرد بند خلافي في السياسة الداخلية. والبيان، بما يحمله من لهجة حادة ومضامين استراتيجية، لا يبدو عابراً.
والأكيد أن البيان لا يشبه أي موقف عابر. هو إعلان رفض، وقد يكون إعلان تموضع!