أدان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية أي طرح يهدد سيادة الدول العربية ووحدة أراضيها، مؤكدين ضرورة العمل على إنهاء احتلال إسرائيل الأراضي العربية، وعدم إمكانية التعويل على ديمومة أي ترتيبات للتعاون والتكامل والتعايش بين دول المنطقة في ظل استمرار احتلال إسرائيل بعضَ الأراضي العربية أو التهديد المبطن باحتلال أو ضم أراض عربية أخرى.
جاء ذلك في قرار بعنوان «الرؤية المشتركة للأمن والتعاون في المنطقة»، صدر في ختام أعمال المجلس في دورته العادية (164) التي عقدت بمقر جامعة الدول العربية.
وشدد المجلس على ضرورة التمسك بمبادئ الاحترام المتبادل لسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والالتزام بثوابت حسن الجوار وعدم الاعتداء وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، مؤكداً ضرورة الالتزام بالمسلمات الحاكمة للعلاقات الدولية والإقليمية، خصوصاً من حيث الحفاظ على الاستقلال السياسي للدول ووحدة أراضيها وأحقيتها في الاستفادة من مواردها الطبيعية، واحترام قواعد القانون الدولي ذات الصلة، وعلى رأسها عدم استخدام القوة إلا في الإطار القانوني المنظم لذلك، متمثلاً في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.
ونوه بمحورية معالجة جذور الصراع والتوترات الإقليمية، لا سّيما عبر تسوية القضية الفلسطينية بشكل عادل وشامل، وفقاً لحل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية وبقية الأراضي العربية المحتلة والانسحاب لخطوط الرابع من يونيو (1967)، وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وبما يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، و«إعلان نيويورك» الصادر عن المؤتمر الدولي بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، وما تضمنته من إجراءات وخطوات ملموسة في هذا الإطار.
كما شدد المجلس على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإيقاف عمليات التوسع الاستيطاني، ومشاريع التهجير، ومحاولات التغيير الديموغرافي وطمس الهوية العربية وتهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية، وضمان حقوق اللاجئين واستمرار ممارسة الضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف حاسمة، محذراً من أن استمرار انسداد آفاق الحل يعد عاملاً أساسياً لزعزعة الاستقرار في المنطقة ومسوغاً لنشر التطرف والكراهية والعنف إقليمياً ودولياً.
وأكّد المجلس أهمية المضي قدماً نحو تحقيق عالمية معاهدة عدم الانتشار النووي، وإخضاع المنشآت النووية في المنطقة كافة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واحترام حق الدول في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وجميع أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط وضرورة مطالبة جميع الدول، خصوصاً الإقليمية، بالانضمام لمعاهدة عدم الانتشار، والالتزام بجميع القرارات الدولية المتعلقة بمنع الانتشار، والتأكيد على أن معالجة المخاطر النووية أمر أساسي لاستتباب أمن المنطقة ومنعها من الانجراف نحو سباق تسلح نووي.
كما أكّد ضرورة احترام أمن وسيادة دول المنطقة بصورة متساوية بما يضمن عدم تغليب مصالح طرف على حساب طرف آخر، داعياً إلى بناء وتعزيز الثقة المتبادلة.
ولفت النظر إلى ما تمر به المنطقة من مرحلة حرجة وتطورات بالغة الخطورة، تتسم بتفاقم التهديدات وتوسع العدوان الإسرائيلي وتعميق التوترات التي تمس الأمن المشترك لدولها، وما تشهده المنطقة كذلك من تقويض لجميع مسارات السلام والأمن والاستقرار، ولا سّيما عبر مواصلة إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، دون رادع لحربها العبثية على قطاع غزة، التي تتعدد خلالها صنوف الانتهاكات الجسيمة من قتل وحصار وتجويع وضم أراض وتوسع استيطاني ومحاولات تهجير ضد الشعب الفلسطيني، في انتهاك واضح لقرارات وقوانين الشرعية الدولية وأبسط المعايير الإنسانية.
وقال المجلس: «إن الأحداث الأخيرة الخطيرة والمتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط تبرهن على أن غياب التسوية السلمية للقضية الفلسطينية هو السبب الرئيسي في اندلاع جولات من العنف المستمر الذي تطور أخيراً إلى تصعيد إقليمي، وأن عدم تسوية القضية الفلسطينية بشكل عادل والممارسات العدائية لقوة الاحتلال هو ما يقف حاجزاً أمام فرص تحقيق التعايش السلمي في المنطقة وتعزيز التعاون الاقتصادي بين دولها، بما يسهم في تحقيق أمن ورفاهية شعوبها».
وأوضح المجلس أن تلك الأحداث والتصعيد العسكري المتوالي تعكس تجاهلاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي والاستهانة بها، واستخدام القوة والتدخل العسكري دون سند قانوني وانتهاك سيادة الدول وإساءة استخدام حق الدفاع عن النفس خارج إطار القانون الدولي، وغيرها من التجاوزات الفجة مقرونة بإفلات من العقاب وانتقائية في تطبيق المعايير على نحو يضعف مبادئ ومقاصد القانون الدولي والإيمان الذي ترسخ تجاهها، وهو ما يكرس حالة عدم الثقة بين مختلف الأطراف في المنطقة.
وأعاد المجلس التذكير بمبادرة السلام العربية عام (2002)، التي تؤكد الدول الأعضاء بموجبها على مسار السلام بوصفه خياراً إستراتيجياً يتيح آفاق الاندماج والتكامل الإقليمي، ويمكن دول المنطقة من توجيهاتها نحو التنمية والازدهار، بما يحقق تطلعات وآمال شعوبها بمستقبل أكثر أماناً وازدهاراً.
وأضاف المجلس: «انطلاقاً من حقها المشروع ومسؤوليتها تجاه ضمان أمنها ومصالحها المشتركة، تؤمن الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية بأهمية العمل وفق مبادئ تؤسس لتحقيق واستدامة السلام العادل والشامل في المنطقة، كما تؤكد أهمية تعاون المجتمع الدولي واضطلاعه بمسؤولياته والتزاماته تجاه تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وترفض أي تحركات أو مساعٍ تؤدي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وتهديد سيادة دولها، وجر المنطقة إلى مواجهات تفاقم المعاناة والأزمات الإنسانية، وتعطل مسيرة التنمية لعقود آجلة».
وأشار المجلس إلى أن الدول الأعضاء تؤكد أن أي مبادرات للأمن الإقليمي يجب أن تستند إلى مبادئ الأمم المتحدة، لا سّيما احترام سيادة دول المنطقة ووحدة أراضيها، بما يسهم في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار المستدام في المنطقة وازدهار شعوبها، وبناء علاقات إستراتيجية وشراكات إقليمية ودولية، وضمان أمن إمدادات الطاقة واستقرار أسواق النفط، وتعزيز الأمن البحري وحرية الملاحة البحرية، والتصدي الجماعي لتحديات المناخ.
ونوه المجلس بأهمية وجود توافق بين دول المنطقة كافة حول مجموعة من المبادئ الحاكمة للتعاون والأمن المشترك بما يؤسس لقاعدة من الثقة المتبادلة، وتعزز تحقيق تعايش وتكامل حقيقي ومستدام بين دول المنطقة.